الأربعاء، 19 فبراير 2014

حوار الإعلاميّة منى بعزاوي مع الشّاعرة التّونسيّة عروسيّة ابراهيم الرڤيڤي

من طرف Unknown  |  سياسة :



حوار الإعلاميّة منى بعزاوي مع الشّاعرة التّونسيّة عروسيّة ابراهيم الرڤيڤي

نستضيف اليوم الشّاعرة الرّقيقة عروسيّة ابراهيم الرڤيڤي أصيلة المطوية بالجنوب التّونسيّ، من منشوراتها مجموعة قصصيّة للأطفال و كتاب نشر يحتوي على تجربتها الصحفيّة و مخطوط ديوان بعنوان ” روحان في جسد ” و هي عضوٌ في مؤسّسٌ في نادي الشّعر: أبو قاسم الشّابي، و كاتب عام الجمعية التونسيّة للفنون . والبيئة.
 
أهلا و سهلا

الشّعر روح تتعايش مع روحي في جسدي

1-عروسية الرقيقي شاعرة و إ علامية وناشطة جمعياتية، كيف تقدّمين نفسك للقارئ الّذي لا يعرفك؟

أنا تلميذة نجيبة بمدرسة الحياة، أو هكذا يخيّل إليّ، تعرّضت إلى اختبارات قاسية مختلفة الألوان والأشكال و تفوّقت على أغلبها بالصّبر وقوة الإيمان فمنها ما هو عضويّ كالمرض الخبيث عافاكم الله جميعا ومنها ما هو نفسيّ هزمته بطيبتي وبراءتي الّتي أحتفظ بجزء كبير منها رغم تجاعيدي و مقابل ذلك حظيت باحترام كلّ من أحسّ بصدقي وعفويّتي …
أنا امرأة تقاوم الشرّ بالخير والهزائم المتكرّرة، والخيبات المتتالية زادتني إصرارا وتمسّكا بمبادئي وقناعاتي. أنا عاشقة للكلمة أذوب في معانيها، وأعيش بها ولها، أحلم بالحبّ وإن كنت الفاشلة بامتياز في كلّ التّجارب الّتي خضتها، في كلّ مرّة أقاوم خيبتي بالتّجاوز والنّسيان والأمل في غد أفضل. أنا مبدئيّة، مثاليّة، جدّية وحسّاسة جدّا وهذه الصّفات جعلتني أفكّر وأتكلّم بلغة مختلفة كانت سببا في وحدتي واغترابي بين أهلي وأحبابي، والبديل الأمثل عندي هو الكتاب والقرطاس والقلم وعند الضّيق الشّديد أهرب إلى القصّ والتلصيق و الرّسم. أهوى الموسيقى والرّقص وأتابع باهتمام وإعجاب بقيّة الفنون،أحبّ الرّياضة وإن انقطعت عن ممارستها منذ زمن بعيد. 
أمّا في الحياة فأنا مربّية،أمّ لبنتين وولد، مارست الصّحافة كهواية لمدّة  8سنوات وأنا بصدد طبع كتاب في ثلاث أجزاء ضمّنته كلّ الحوارات والتّغطيات والمواكبات لجميع التّظاهرات الثّقافيّة الّتي واكبتها، صدرت لي في الثمانينات مجموعة قصص للأطفال ( تأليف مشترك ) و كتاب في مادّة الرّياضيات لمرحلة ما قبل الدّراسة وكتاب تربية إسلاميّة مستوى سنة ثانية ابتدائي، لي مخطوط ديوان شعر بعنوان “روحان في جسد “، أنا عضو مؤسس بنادي الشّعر أبو القاسم الشّابي وكاتب عام بالجمعية التّونسية للفنون والبيئة.  

2- بداياتك الشعريّة كانت في سنّ المراهقة فهل إبداعاتك وليدة المراهقة أم وليدة تجارب اجتماعية؟ وهل المراهقة مصدر للإبداع؟

أنا مراهقة بامتياز و المراهقة وإن كانت مرحلة موصوفة بالسّلبيّة إلاّ أنّها مرحلة ضرورية في الحياة ولا تخلو من الإيجابيات خصوصا عندما تتقدّم معنا في السنّ، أنا أحتفظ بجزء منها وهو يساعدني على مقاومة الأزمات ويمكّنني من التّواصل مع أبنائي وأبناء إخوتي وأصدقائهم ومع الشّباب عموما، بفضلها أشعر أنّي قريبة منهم و فاعلة فيهم أمرّر لهم خبرتي وخلاصة تجاربي و أستمدّ منهم النّشاط والحيويّة والإقبال على الحياة، أعيش معهم قصصهم بحلوها ومرّها فأكتب لهم و عنهم و كأنّني منهم وقد لمست تجاوبهم مع كتاباتي في أكثر من مناسبة، فأنا أقرأ قصائدي حال الفراغ منها على ابنتي وبنات أختي أوّلا لأعرف ردّة فعل الشّباب تجاه ما أكتب. 
أمّا عن كتاباتي في سنّ المراهقة فهي كثيرة وقد بدأتها منذ المرحلة الابتدائية، أحتفظ بمعظمها كذكرى جميلة تدغدغ مشاعري وتثير حنيني إلى سنين خلت ولا أظنّها ترتقي إلى مستوى النّشر 

 3-  تتحدثين عن الماضي كثيرا فهل أنت اسيرته؟

أنا لست أسيرته ولكنّي نتاجه، أنا ثمار ماض أليم أغلب ألوانه قاتمة، عانيت ومازلت أعاني من رواسبه.  ولكن هذا لا يعني أنّي متشائمة أو يائسة، أبدا، أنا مؤمنة صادقة والمؤمن الصّادق لا يعرف اليأس إلى قلبه طريقا، ربّما يطغى الحزن على حرفي ولكنّ ابتسامتي تخفّف دائما من وطأته، فأنا عين دامعة وشفاه تبتسم وما الحياة إلاّ دمعة وابتسامة.

 4-  تتصارعين مع الذّات ومع مصاعب الحياة و تتحدّين المستحيل بالكتابة فهل كسبت هذا الصّراع أم فشلت؟ وكيف؟
 
أقول في صراعي مع الذّات في قصيد: بعض من وحدتي 
عتم اللّيل 
وبعضي يخاصم بعضي
وبعض من بعضي غضبان 
* * *
بوحدتي 
أصطلي 
يلتهم بعضي بعضي 
كما تفعل ببعضها النّيران 
* * *
من لظى الوجد 
أنفّر الفؤاد 
يثور بعضي على بعضي 
وهل يخلو من الهوى 
إنسان ؟
* * *
في مرايا الأمس 
أنظر 
يلوم بعضي بعضي
وهل ينفع التّعذال 
ندمان؟
* * *
أخالني نسيت 
وبعضي نسي بعضي
أنَّى لبعضي أن ينسى 
وبعض النّسيان 
خيلان 
* * *
بأحضان الذّكرى 
ألوذ
يسري في بعضي دفء
ويبقى بعضي 
يتمان 
* * *
بالذّكر
أستعين 
يسكن بعضي…  يغفو
ويظلّ بعضي
يقظان 
* * *
لو تَصَالَحَ بعضي مع بعضي
لو سكن بعضي إلى بعضي 
ما عرفت السّهد يوما 
ولا قصمت ظهري أحزان
أمّا في صراعي مع المجتمع والحياة فأنا أقول في قصيد “روحان في جسد”
من نسيج الأضلع 
ينبثق كلام 
مع الضّوء يسافر 
يختصر البحر في قصيد 
يداوي جراح الفراشات 
يرفو …
فتوق الجهل والتّخلّف 
على الانتظار 
على الانكسار 
على الخضوع يتمرّد
يصنع دنيايا من جديد 
على الشّاكلة الّتي أريد 
دنيا … كما أشتهي 
دنيا … لا تشبه الدّنيا 
دنيا … تفتح عيون اللّيل 
عن فجر وليد

5-  لك بصمة خاصّة في شعرك وخاصّة في اهتمامك بالأنثى؟ فمن هي هذه الأنثى الّتي تتحدّثين عنها؟ وماهي أبعادها الذّاتيّة والإجتماعيّة؟

يقول شاعرنا الذي أعشقه “منور صمادح ” : “لا أحد يستطيع أن يكون فمي أكثر من فمي ” ، لا أحد يستطيع أن يشعر بمعاناة الأنثى غير مثيلتها، تشبهها و تتقاسم معها عالمها الواسع بكلّ ما فيه، أقول في قصيد “روحان في جسد ”
حلم 
على أجنحة السّؤال محمول 
متحف ذاتي 
فهرس تاريخي 
وكلّ ذنبي 
عندما … أقول عنّي
وعن عاشقات … هنّ مثلي 
مغرمات 
أردن أن يقلن 
و لم يقلن 
أخرسهنّ ثلج الفصول 
جفّف الصّمت  
ورد الخدود 
عنهنّ … و عنّي 
أقول 
لمن أراد 
ولمن … لا يريد 
حبّي 
هو أثري الباقي 
يوم يجفّ
نبض الوريد
أنا من المدافعات الشّرسات عن المرأة وإن تسبّبت في أذيّتي مرارا، أقول في قصيد ” بنات حوّاء 
 ”
تغار النساء من جناني وجنوني 
ومن بريق العشق في عيوني
 
6- نجد في أشعارك تركيزا على الجسد؟ فهل أنت متأثّرة بكتابات أحلام مستغانمي؟ ومن هو هذا الجسد الغامض في كتاباتك؟ ومن هما الروحان اللّذان تتحدّثين عنهما في ديوانك؟

علاقة الشّعر بالجسد علاقة الرّسم باللّوحة والألوان وعلاقة النّغم بالآلة الموسية وعلاقتي بالحلم والواقع، قال لي صديق ذات يوم : ما يعجبني فيك هو جمعك بين المتناقضات، فأنت حسّاسة جدّا حالمة رومانسيّة وفي ذات الآن حازمة وواقعية و شديدة إلى مشارف القسوة… وهناك صديق آخر أطلق علي لقب ” المرأة الحديدية ” وفي المقابل هناك من يشتكي من فرط حساسيتي، أمّا أنا فأراني مختلفة بسبب حرصي على الجمع بين النّظريّ والتطبيقيّ بأنّني أسعى دائما إلى الجمع بين القول والفعل وسرّ معاناتي الحقيقيّ هو تعايشي مع أناس يقولون ما لا يفعلون. 
أمّا بخصوص الأديبة أحلام مستغانمي فأنا من قارءاتها مثلها مثل غادة السّمان وفدوى طوقان وسعاد الصبّاح ونوال السّعداوي اللّواتي أعشق أفكارهنّ وحرفهن وطريقة تعاملهن وتفاعلهن مع مجتمعنا الشرقيّ بالفكر والسلوك، أنا احبّ أيضا أصوات بلادي بدءا من عروسية النالوتي ومرورا بنافلة ذهب و صفية قم وفتحية الهاشمي وسلوى الراشدي ومسعودة بوبكر وآمال مختار وابتسام خليل، و فاطمة بن فضيلة وصولا إلى المرحومة زبيدة بشير والمرحومة سلوى الفندري و الشاعرة الجميلة والمغمورة جليلة هدى صدّام و نجاة العدواني و سلوى الرابحي وراضية الشهايبي وسندس بكّار وهدى دغاري وجودة بلغيث وصديقاتي شاعرات نادي أبو القاسم الشابي اللّواتي أكنّ لهنّ كلّ التّقدير والمودّة وأخصّ أستاذتي الأديبة الشاملة وهيبة قوية ثم سهام بن جميع وسهام صفر الّتي تكتب الشعر باللغة الفرنسية،أريت ماشاء الله؟ نساء بلادي كثيرات وجميلات وأعتذر لمن قرأت لهن ولم تسعفني ذاكرتي لاستحضارهنّ... أقول : عندما أكتب أكون في حالة انصهار بين أحاسيسي ومخزوني المعرفيّ و لا أستحضر لحظتها أحدا ممّن ذكرت، لانّ نصوصي نابعة من ذاتي تأتيني متى وكيفما تشاء فلا أختار شكلها ولا مضمونها، هي غالبا ما تكون وليدة الحالة النفسيّة والظّرف الّذي أعيشه أنا أو غيري من المحيطين بي فقد كتبت عن الأرق تفاعلا مع زميلي في العمل الّذي كان يعاني منه ولكثرة ما حدّثني عن معاناته جسّمتها في قصيد بعنوان “سيزيف” أقول في جزء منه :

عندما يأتي المساء 
مطراق 
كأنّ بي إطراق 
ناكسا هامتي 
أستجدي : 
يا ليل 
يا ليل لا تزد في لوعتي 
وآكترث بعذابي 
وآمنحني من الكرى 
منابي 
كلّ الأماني 
كلّ الأماني خفقة 
تموت ... في أهدابي 

وكتبت مؤخرا قصيد باللّهجة العاميّة هديّة إلى صديقي سجين الرّأي كمال حمدي قصيد “برج الرومي ” 
كما كتبت عن أبي رحمه الله وعن أبنائي وإخوتي وبعض من عايشتهم عن قرب. 
أمّا عن ” روحان في جسد ” فأنا أشعر أنّ الشّعر روح تتعايش مع روحي في جسدي،أنا وهو نعيش قصّة حبّ أزليّة بانكساراتها وإنتصاراتها،أقول في قصيد: "روحان في جسد"

حفنة 
من ذاتك وذاتي 
تتماوج في انسياب 
كالفراشات 
في… أزهى البساتين 
ترتفّ أبياتا تفصح عن ….
كلّ أشجاني 
تفكّ أزار لغتي 
تعيد رسم ألواني 
حين تتشابك الأيادي 
تفضي الأنامل بأسرارها 
على مشارف الفرحة 
يزهر القصيد 
أسكب 
مهجتي في إصبعي 
عشق 
بطعم التّفّاح ملء الأضلع
يصبّ هسيسه في القلم 
أيّتها الكلمات 
حملتك زمنا في غوري 
الشّوق يتلقّفك والأمنيات 
والألوان تعبث ببياض الفكر 
و كأنّنا في كوكب لأحلام 
في سفر الممنوع 
نقول 
ما… لا يقال

7-  النّبرة الحزينة حاضرة في أشعارك وكأنّك تبحثين عن شئ مفقود؟ ما هو ؟ وهل يمكن اعتبار حرفك الشعريّ لغة تمرّد ذاتية؟

أنا فعلا حزينة لأنّني أعيش غربة ثقافية اجتماعية بين أهلي ومحيطي، وأنا في رحلة بحث مستمرّة عن الحبّ، عن الصّدق، عن الوفاء وعن الأمان، ومن البديهيّ أن يكون شعري مرآة ذاتي تعكس وجعي وخيباتي وتقول عنّي وعن كلّ أنثى تعيش ذات معاناتي. وأنا فعلا متمرّدة منذ الصّغر،أحاول قدر استطاعتي أن أغيّر ما يمكن تغييره في حياتي وحياة أبنائي، فأنا لا أعترف بكثير من العادات والتّقاليد الّتي أشعر أن لا فائدة منها غير التّبذير وإرهاق كاهل المواطن، وأنا أطبّق الدّين كما أفهمه لا كما يمليه بعض المشايخ، أرفض القيود بأنواعها و أؤمن بالحريّة، أحبّ الحوار بين كلّ الأعمار وأتعامل مع الفرد باعتباره إنسانا أوّلا وأخيرا لا فرق عندي بين الوزير و عون التّنظيف أعاملهما بنفس الطريقة فكلّ منهما يقوم بدوره ولكلّ منهما مكانته في المجتمع، عشت وسأظلّ أبرهن أنّ لا قيمة للمادّة مقابل الذّات البشريّة مهما حاولوا إقناعي بعكس ذلك، و أتمنّى أن يكون حرفي أفضل أداة لتبليغ كلّ رسائلي وأفكاري 
 .
 8-  عزفت على آلة العود واهتممت بالموسيقى، هل إبداعاتك رهينة الألحان أم أنّ ذاتك تتجاوب فقط مع الفنّ ؟

عندما كنت طفلة كنت أقضي السّاعات الطّوال ماسكة بشيء ما يشبه المصدح وأنا أمام المرآة تارة أغنّي و طورا أحاور نفسي وألعب دور الصحفيّة والفنّانة أو الأديبة فقد كنت أحلم بأن أصل إلى أعلى درجة في سلّم العلم والأدب ولكن: ما كلّ ما يتمنّاه المرء يدركه، كنت أغنّي دون توقّف وفي جميل حالاتي النفسيّة وكنت أحبّ الرّقص أيضا، مثّلت دورا مرّة واحدة تحصّلت من خلاله على جائزة أحسن ممثّلة وكان ذلك في دار الثّقافة ابن رشيق وكانت المسرحية “المخبأ رقم 13 ” لنجيب محفوظ على ما أظنّ، تعلّمت العزف على العود أثناء دراستي بدار المعلّمات بمنفلوري، ثمّ تدرّبت على الغناء وحفظ الموشّحات بنادي موسيقى تحت إشراف الأستاذ " توفيق الذويوي” رحمه الله وكنت أتدرّب الى جانب " لطفي بوشناق، عبد القادر العسلي، حسناء ومنية البجاوي" ولكنّي انقطعت بسب رفض العائلة من ناحية وزواجي المبكّر و انقطاعي إلى تربية الأبناء وممارسة مهنة التّعليم، وها أنا أعود من جديد لأمسك بتلابيب ما تبقّى من أحلامي فأنا فنّانة حتّى النّخاع،أعيش بالنّغمة و الكلمة . 

9-  كتبت بعض القصائد عن القهوة، فهل هي فلسفة ذاتيّة أم وجوديّة ؟

القهوة رفيقتي نتبادل المرارة ونتقاسم أيّام الوحدة و ساعات الوجع هي الشّاهد على آلام المخاض والولادة وهي عربون المودّة بين الأصدقاء وحبل الوصال بين العشّاق... 

10- صارعت المرض الخبيث و انتصرت عليه: كيف تمّ ذلك؟

سأختزل تجربتي مع المرض في بعض الكلمات وأتمنّى أن تكون إجابتي مؤثّرة ونافذة على قصرها: إنتصرت على المرض بالإيمان، فوّضت أمري لصاحب الأمر بصدق وعمق ورضيت بقضائه فلم يخذلني، إنّ المولى عزّ وجلّ أرفق بنا من ذواتنا وهو دائما عند حسن ظنّ عبده به، عندما تكون قريبا من الله لن يخذلك أبدا، والحمد له والشّكر له في كلّ الحالات وكلّ الأوقات.
 
 11-  في بعض قصائدك حنين، فماذا يعني الحنين بالنّسبة إليك؟ وهل حنينك موجّه للحظة شعريّة أم لما في الطفولة؟

فعلا، أنا أصيلة المطوية وهي معتمدية تابعة لولاية قابس بالجنوب التّونسي، ولدت في العاصمة وقضيت سنوات طفولتي وجزءًا من شبابي في المطوية وتشبّعت بجمال الطبيعة هناك وتجذّرت في ذاتي طباع أهل الجنوب: كرمهم، صدقهم، شهامتهم،أصالتهم، وطنيتهم، وكذلك قولهم للشّعر بالسّليقة، عشت عادات وتقاليد اندثرت ولكنّها ظلّت حيّة بذاكرتي، فأنا لا أشعر بالانتماء إلاّ بين النّخيل و أشجار الرّمان و “طرايد الفصّة “، ولعلّني بقيت طفلة منذ غادرت المطوية لأعيش في العاصمة التي لا تعني لي شيئا، ولعلّ حنيني زاد بتقدّمي في السنّ فها أنا أكتب قصائد باللّهجة المطوية وكأنّني أعتذر لها ولأهلها عن تقصيري تجاهها وتكفيرا عن ذنبي فقد قرّرت أن أكتب عن طفولتي بالمطويّة في شكل مجموعة قصصية في غضون السنة القادمة إن شاء الله 
 .
12-  تحدّثت في أشعارك وفي حياتك عن طفولة تحتفظين بها حتّى الآن فهل للتّعليم دور في ذلك أم انّ إحساسك هو من يوجّهك؟

لعلّ الطفلة الّتي بداخلي تدافع بضراوة عن ديمومتها رفضا للكهولة وما تملكه من صفات لا تشبهها، الطفلة بداخلي متعبة،ممزقة، ومجروحة من مجتمع لا قدرة له على استيعاب تعقيدات الذّات البشرية، فالطيّب ضعيف والصّادق خبيث والكريم مغفّل والتلقائيّ مجنون الخ ... 
ولعلّني نجحت في التّعليم بفضل الطفلة الّتي بداخلي، لقد ارتحت كثيرا مع الأقسام الصغرى وخصوصا السّنة الأولى وكذلك عندما خضت تجربة روضة الأطفال وتوّجت تجربتي بإصدار قصص للأطفال 25 عنوانا ) تأليف مشترك وكذلك كتاب حساب لمرحلة ما قبل الدّراسة وكتاب موازي في التربية الإسلامية لتلاميذ السنة الثانية .)
 
13-  صوت الألم الدّفين في ذاتك يعكس مرارة الواقع، فهل الألم يحاكي ذاتك أم يحاكي ذوات المجتمع؟

لا تخلو ذات بشرية من معاناة وهي سنّة الحياة، ولعلّ حساسيّتي الزّائدة تجعلني أتفاعل أكثر من غيري مع ما أعانيه في حياتي: لقد عشت طفولة ممزّقة بين أمّي والعاصمة وجدّتي والجنوب، كما أنّي دخلت المدرسة بعد سنة بسبب إقامتي بمستشفى الأمراض الصدريّة بأريانة سنة كاملة، غادرتها حليقة الرأس و وجدتني في جوّ جديد غريبة بين والدي وإخوتي و بعيدة عن جدّتي والمطوية التي أسرتني بجمالها وسحرها، ثم عانيت من الخيانة، من الجحود، وفارقت أعزّ الأحباب، عانيت من الظلم والقهر وأخيرا من اليتم والوحدة،ألا يكفي كلّ هذا لأكون حزينة؟
وهل حزني خلق لي وحدي ؟ طبعا لا …
فحزني هو حزن كثيرات مثلي، وكما يقول مثلنا الشعبي “حيوط مدرّقة وهموم مفرّقة  
 “
14-  كتبت عن أسماء كبيرة ورموز أدبيّة في تونس، كيف كانت هذه التّجربة؟ وماذا أضافت لك؟

كانت 8 سنوات عشت خلالها أحلى تجربة في حياتي، حقّقت فيها جزءا بسيطا من أحلامي، حاورت أدباء وشعراء وفنّانين عربا وتونسيين، وواكبت أهمّ التّظاهرات الثّقافية: مهرجان قرطاج في افتتاحه واختتامه في دورته الأربعين، افتتاح واختتام مهرجان بوقرنين ،واكبت مهرجاني العين بالمطوية والمروج، تابعت أيّام قرطاج السينمائية و اللّقاء السنوي لنادي القصّة بالحمامات. 
ومن أهمّ الشخصيّات الّتي حاورتها: الأديب الطيب صالح، الشاعر عبد الرحمان الأبنودي، الإعلامي جورج قرداحي، الممثلة آثار الحكيم وكلّ من أصالة نصري، باسكال مشعلاني، وجواهر، الإعلامي مصطفى ياسين والمخرج يوسف شاهين ومخرج سلسلة راجل وستّ ستّات أسد فولادكار والممثل السّوري طلال الجردي...
وبالنسبة إلى مبدعينا فقد حاورت وكتبت عن أكثر من مائة شخصية في مجال الأدب والمسرح والموسيقى سأذكر البعض منها مع حفظ الألقاب: محمّد العروسي المطوي الّذي جمعني به أكثر من لقاء والّذي علّمني أكبر درس في حياتي وهو أن أظلّ متفائلة محبّة للحياة حالمة بغد أفضل مهما بلغنا من العمر ومهما كانت حالتنا الصحّيّة، محي الدّين خريف الّذي علّمني الحرص على طلب المعرفة إلى آخر لحظة: كان رحمه الله ملاذي كلّما تعثّرت في مسالة لغوية أو نحويّة فكان يجيبني مباشرة قائلا في لسان العرب كذا وكذا وكنت في كلّ مرّة أخجل من جهلي و أنبهر بحضوره الذّهني وبحافظته وسعة معرفته، تعلّمت التواضع من المبدعين العرب أمّا التونسيين فهم قليل وأغلبهم يتعاملون بتعال مع الصحفيّ ويتصرّفون بطريقة لا تليق بالمثقّف عموما، لقد كانت صدمتي في هذا العالم كبيرة الأمر الّذي جعلني أنسحب منه إلى غير رجعة. هذا لا يعني أنّي لم أستمتع بالتجربة. عموما وأهمّ ما جنيته منها أنّي تعرّفت على الأدب التّونسي فقد كنت مضطرّة للإطلاع على الكتب والدّواوين قبل محاورة أصحابها فقرأت للّذين ذكرتهم آنفا و قرأت لحسن بن عثمان و عبد القادر بالحاج نصر ولمحمد يحيى ولمنور صمادح ولنورالدين صمّود وللمنصف المزغني... كما قرأت عن جماعة تحت السور ومن خلال ركن همسة وفاء بمجلة الإذاعة عرفت تفاصيل كثيرة عن حياة جلّ المبدعين الّذين فارقونا من أدباء وشعراء وفنانين وملحنين وعازفين وممثلين، كانت فعلا تجربة ثريّة وسترونها في كتاب تحت عنوان “دائرة المؤتلق ” ربما سيكون في ثلاث أجزاء قريبا إن شاء الله. 

15-  تمّ مؤخرا تكريمك،لو تحدّثينا عن هذا التكريم ؟

فعلا تمّ تكريمي يوم 5 جويلية 2013 بأحد النزل بالحمامات من قبل الجمعية الوطنية للمعلّمين مشكورة، لقد كانت أمسية لطيفة جمعت ثلّة نيّرة من رجالات التّعليم الابتدائي تمّ التعريف بهم و بما يقومون به من أنشطة ثقافية في مجالات عدّة كما تمّ التعريف بالجمعية و بأهدافها وحرص مؤسّسيها على مساندة المعلّم حيثما وجد فهي تسعى إلى التكوين والتثقيف والترفيه وهي مبادرة تستحقّ التحية و التشجيع . 

16-  الشّاعر ليس له كلمة ختام باعتباره استمرارا للحروف والكلمات، هل لك رسالة تريدين تبليغها للقرّاء الذين يتابعونك؟

حتّى نبني مجتمعا راقيا علينا بالنّهوض بالثّقافة عموما و بالأدب بصفة خاصّة وليتحقّق ذلك كان لزاما أن نهتمّ بأدب الطفل، حظّ الطّفل في أدبنا يشكو من التهميش ،يجب الاهتمام به أكاديميا، فالكتابة للطفل قلعة علينا أن نحرسها لنؤسّس لجيل جديد قبل أن يجتاحنا الطّوفان فالمبدع الّذي يمتلك اللّغة يمتلك الفكر ومن يمتلك الفكر يمتلك العالم. وفي الختام أتمنّى أن يهتمّ التّونسي بالقراءة بدلا من اهتمامه بأمور أخرى لا فائدة من ذكرها، نحن نهدر كثيرا من الوقت، ليتنا ندرك أنّ حياة واحدة لا تكفي لإنتاج المعرفة. 
ألف شكر لك أختي منى ودمت السند والمدد لكلّ المبدعين .
هديتي إليكم قصيد ” من وحي الطريق ” وهو معارضة لقصيد الأستاذ سوف عبيد ” الطريق ” أقول فيه:

كم قلت 
لا … تسر ورائي 
ربّما … لن تدركني 
سر
بجانبي 
كن 
حبيبي 
موحشة هي الطّريق 
وقفت 
مددت يدي 
أحسست بدفء
سرت جذلى 
بوهج الحريق
(عن أقلام ثقافيّة)
الحوار على أقلام ثقافيّة

0 التعليقات :

الكاتب

اكتب وصف المشرف هنا ..

© 2013 . . تصميم من
قوالب بلوجر . تدعمه Blogger .