كالعيس في البيداء !!! – د.سامي براهم
د.سامي براهم
مثال قديم يحضرني عندما أرى النّخبة السياسيّة تخوض بشكل محموم غمار الاستعداد للانتخابات القادمة باحثة عن أفضل وضعيّات التّحالف التي تدرّ عليها أكبر قدر ممكن من الأصوات التي تؤهّلها لحكم البلد …
مركاتو البريكولاج الحزبي و القصّ و اللصق الفصائلي و الفتق و الرّتق الفئويّ قائم عند الكثير على اعتبارات ضيّقة لا اعتبار فيها للثّورة و الوطن …
كنّا نتصوّر بحسنا الوطني التلقائيّ و المنطق السياسي العقلاني أنّ خريطة التّحالفات جليّة واضحة في بلد يشهد ثورة تحاول القطع مع منظومة الاستبداد و الفساد تواجه ثورة مضادّة مدعومة بالارهاب …
كنّا ننتظر أن لا أقلّ من أن يلتقي شركاء النّضال ضدّ الاستبداد على أرضيّة مشتركة مثلما التقوا سابقا على نفس الأرضيّة التي اعتبرت أنّ المرحلة قائمة على الصّراع بين الحريّة و الاستبداد في الوقت الذي كان الاستبداد و أعوانه يحاولون جاهدين الانحراف بهذه القراءة الموضوعيّة إلى معارك زائفة أو غير ذات أولويّة لتخريب حركة النّضال التحرّري و تدمير أيّ شكل من أشكال الالتقاء على هذه القراءة …
فكانت حركة 18 أكتوبر لحظة وعي أخلاقي و سياسي و نضالي متقدّمة شكّلت جبهة مواجهة و حصانة ضدّ تدمير مقوّمات الصّمود و مناعة ضدّ تزييف الوعي التّاريخي بالمرحلة …
لا نرى أنّ طبيعة الصّراع قد تغيّرت بالشّكل الذي يدفع لبناء تحالفات جديدة خارج إطار المعايير التي دفعت مكوّنات تلك الحركة للالتقاء و التّحاور و التفكير المشترك … بل إنّ الدّاعي اليوم أكثر إلحاحا و قد توّجت ثمرة نضالاتهم بافضل ممّا كانوا يطمحون إليه و يخطّطون …
و كان أحرى بهم التوحّد من أجل الذّود على هذا المنجز التاريخي المعجز و حمايته من المتربّصين في كلّ المنعطفات و الأعتاب من بقايا منظومة الاستبداد و الفساد التي لا تزال تتمعّش من مخلّفات الوضع القديم و تستثمر بنفس الأساليب القديمة خطّة فرّق تسد و تحسن توظيف منظومة الإعلام القديم لبثّ الفرقة و البلبلة و الفتن و اليأس و القنوط و التّشاؤم بين مكوّنات المجموعة الوطنيّة و لا سيما شركاء النّضال لخلط الأوراق و الأولويّات و خريطة التّحالفات …
لتخرج المنظومة القديمة أمام الرّأي العامّ الدّاخلي و الخارجي منتصرة متوحّدة في صورة المخلّص المنقذ الرّاعي الحنون الوسيط الوسطي المتوسّط العقلاني بينما شركاء النّضال مشتّتين متنافرين متقاتلين مندحرين منهكين يعلمون جميعا خطورة المغامرة و خطر المقامرة بمكاسب أمّة بأكملها من أجل أحقاد قديمة و صراعات أيديولوجيّة و يبحثون عن الخلاص كالعيس في البيداء يقتلها الظّمأ و الماء فوق ظهورها محمول.
0 التعليقات :