الدّستوريون الجدد ...
احتفل الدّستوريّون القدامى اليوم بذكري ميلاد الحركة الدّستوريّة الأولى سنة 2 مارس 1934 التي رفعت مطلب دستور تونسي باعتباره أساسا لبناء دولة الاستقلال و كان الدّستور مطلبا وطنيّا جامعا رسّخته الحركة الإصلاحيّة كأساس للتحرّر و النّهوض ... و كان الدّستور ف غرّة جوان 1958 أوّل لبنة م لبناء دولة الاستقلال التي ستحقّق مطالب الشّعب التّونسي في الحريّة و الكرامة و العدالة الاجتماعيّة ...و رغم كلّ ما تحقّق من مكاسب فشلت الحركة الدّستوريّة في تأسيس مشروع وطنيّ ديمقراطيّ ضامن للحقوق و الحريّات و العيش الكريم و نقّح الدّستور مرّات و مرّات لمزيد تضييق منسوب الحقوق و ضرب مدنيّة الدّولة و تكريس الحكم الفردي ... لذلك انخرطت أجيال من العائلات الفكريّة و السياسيّة على امتداد عقود " الحكم الدّستوري " في حركة نضال وطني لتصحيح المسار و تحرير البلاد من سياسات الاستبداد و الفساد ...
الفشل العامّ و الشّامل في ترجمة مطالب الحركة الدستوريّة التي من أجلها كان التأسيس الذي يحتفي به الدّستوريّون القدامى اليوم هو الذي ولّد ثورة 17 ديسمبر 2010 باعتبارها عنوان فشل ذريع للحركة الدّستوريّة و كان انطلاق الثّورة من الدّواخل التي همّشتها هذه الحركة و تعاملت معها بشكل زبونيّ باعتبارها خزّانا لليد العاملة الرّخيصة و قاعدة انتخابيّة ، كان ذلك عنوان فشل في كلّ السياسات العامّة بشكل لا يحتاج معه لإصلاحات و ترقيعات بل إلى تأسيس جديد مدخله الدّستور مرّة أخرى ...
يمكن الحديث اليوم عن حركة دستوريّة جديدة لا يمثّلها حزب أو شخص ملهم بل تيّار واسع يمثّل عموم الشّعب التّونسي و نخبه السياسيّة و الفكريّة التي واكبت تجاذبات الدّستور و تدافعاته و تشنّجاته و لحظات الخوف و التّراجع و المساومات و الانقسامات و كذلك الجدالات المعرفيّة و الحقوقيّة و السياسيّة و القانونيّة و التّوافقات العسيرة و أخيرا المصادقة على نصّ يتوفّر على منسوب أعلى للحريّة و ضمانات قصوى للعدالة الاجتماعيّة و الحكم الرّشيد ...
لم يعد هناك مبرّر اليوم للاحتفال بحركة دستوريّة فاشلة إلا على سبيل الذّكرى و الوقوف وقفة تأمّل عميق تفضي إلى النّقد الذّاتي و المراجعات العميقة و من ثمّ الاعتذار للشّعب التّونسي و القبول بإرادة هذا الشّعب الذي طال ليله في تأسيس منظومة جديدة على أنقاض المنظومة القديمة تجعل ليله ينجلي و قيده ينكسر ...
0 التعليقات :