هذا الليل لا يأتي دائما كما تشتهي
~سامي السّنوسي~
في آخر الليل الذي لا يأتي دائما
كما تشتهي ،
توشك لحظة الموت على البداية ...
ما مضى من عمرك يأتيك حافيا حتى من الشِِّْعر ،
والأصدقاء
حبيبات توّزعن شظايا ...
كيف ستُمسك بلحظة الخلق ،
إنْ تراءت لك النهاية ؟
………………
تأتيكَ اللغة فتأبى ،
و تأتيكَ الذّكرى ، ثُمَّ تأبى ...
كأنَّكَ صخرُُ مِنَ الْمعنى !
آلتْ إليكَ النهاية،
فقطفْتَ الأرجوان لتَخُبَّ خجل الحقيقة من الغابرِ فيك !
عُمْرُُ مَرَّ سريعا كاللُّغة ،
والكرى الذي غادر جفنك منذ قليل يأبى البكاء ،
فَلِمَ تسترقُّ الدمعَ في آ خر الليل الذي لا يأتي دائما كما تشتهي ؟
وتخبو سريعا كالنار في الماء؟
أمٌك ها هنا، أبوك ، إخوتك وما تيسَّر من الأصدقاء ،
حبيباتُُ يعِدْنَ و لا يعُدْنَ .....إلا فتنة في الذاكرة
ابنُُ يطلّ منْ شُرفة الروحِ يشقى حين تشتهي و لا تستطيع ،
حروفُُ أينعت و حان وقت قطافها تئن من عطشِِ في الوتر ....
في آخر الليل الذي لا يأتي دائما
كما اشتهي ،
تمرّ سريعا كل الصور ، فأغشى
وأنسى سريعا ما مضى من عمر قصير ،
على حافة الروح أمشي ، وفي ركن صغير من القلب أطفو كالشهداء ....
من مِلح ما تركوا ،
أشيِّدُ البحرَ من جديد
و أ علّم الحوت طقوس الغناء ،
لِيَعلو هذا النشيد ؛
الماء لعبة غامضة ،
و الموت ساحة ضياء ..
تُجمِّع كل الذين أحببت ،فهلكوا
حين اشتركوا في الحلم البسيط
في آخر الليل الذي لا يأتي دائما
كما تشتهي....
( الإبن)
عارُ ُ عليك يا أبي،
في غفلةِ ِ من عناقي لك،
تدسّ في أثوابي كلّ خطاياك دُفعة واحدة!
و تهمهم غائما ،امْسحها عني يابُنَي
( كم عمرا يلزمني لأُزحزح عن صدرك واحدة !)
الجرعةُ أقوى مِنْ احتمالي ،
وأنا الرضيع تلبسني حلّة المقاتل !
لا أسنان لي لأنهش من بارك ألمك ...
لا صوت لي لأهتف بهم ،كفّوا(و لن يكفّوا)
عن أكل لحمك .
انتظرْ قليلا،
سترى ما أعدّوا لك من المكائد ،
هذا الجبّ لم يكن لي بل كان لك!
فاحترس منهم (و لن تحترس) لأنك أوّلُ من هلك.
و ابتسم حتى لا تثير الشّفقة ،
وانْسَ قليلا رغبة القلب في الانحناء و البكاء .
و لتكن ما كنتَهُ منذ قليل، يا نبي !
شاعرا لا يخاف الاقتحام
(و رأيتُني عاليا كالسماء،
فعشقتُ عمري لو يطول ..
وسمعتُ صوتا ينادي أنِ ِ اقتحمْ !
قد كنتَ صرحا ،فاستقمْ
لتعيد لغة القلب إلى القلب )
واجعلْ مني شكلا آخر للحياة .
سيأتي الليل هذه المرّة ، اقسم
فانتظرْ آخره الذي لا يأتي دائما كما نشتهي...
(الأمّ)
حين كنتُ طفلا،
وعدتها أن أكبر .
ها أني على عتبات الأربعين ،
لم أحقق لها حلما واحدا ،حتى في أن أكبر!
الدمعة النائمة في أعماق الحدقة ،
لم يمسحها منديلي ..
الذاكرة المفتوحة على الألم ،
لم يكتب فيها قلمي فرحا واحدا
لتغيير المفردات الداكنة ...
انتظارُ ما سيجيء به الأبناء بعد قليل ،
أصبح أبديا كسفري الدائم نحو المجهول
و الليل يأبى أن يأتي كما اشتهي ...
أما زلت بعد كلّ هزائمي تحبينني
كما اشتهي؟
0 التعليقات :