الاثنين، 10 مارس 2014

أقصى الذّاتيّة لتحقيق أدنى الموضوعيّة الدكتور سامي براهم

من طرف Unknown  |  سياسة :




أقصى الذّاتيّة لتحقيق أدنى الموضوعيّة 

عدد من الزّملاء المثقفين و الأكاديميين المتوازنين جدّا و الموضوعيين جدّا جدّا يرسلون إليّ رسائل يتحفّظون فيها على خروجي عن الموضوعيّة و التوازن الذي تعوّدوه منّي و غاب في موقفي من التجمّع و تفاجأوا من نزوعي إلى الذّاتيّة بل حذّرني أحدهم ناصحا مشفقا من إمكانيّة الانتقام منّي لو عاد التجمّع للحكم !!! أقول لهؤلاء الذين كانوا عقلانيين و موضوعيين و متوازنين جدّا في موقفهم من الاستبداد سابقا و لا يزالون يحافظون على نفس الخصال " الحميدة " بعد ثورة حررتهم من إرهاب الدّولة و لا تزال تقاوم من أجل زوال منظومة الاستبداد و الفساد :نعم موقفي ذاتيّ جدّا لأنّ اقصى الذّاتيّة في هذا السّياق هي عين الموضوعيّة ... بل لا موضوعيّة دون الغوض في أعماق الذّاتيّة و الدّفع بها إلى أقصى التّخوم و أدقّ التفاصيل و الجزئيّات ... عندما يقع إخراجك من فراش نومك في مبيتك الجامعيّ و يقع تزحيفك في ساحة كليتك مع زملائك و زميلاتك وسط الكلاب و الهراوات و الكلام البذيء ... ثمّ يقع اعتقالك و القذف بك في قلب الصّحراء القاحلة في تجنيد قسري ... ثمّ يقع نقلك إلى جزيرة معزولة و تحرم من حضور جنازة والدتك ... عندما يقع اقتحام المعهد الذي تدرّس فيه أمام تلاميذك و زملائك ثمّ يطوّق بيتك و يقتحم بعشرات الأعوان المدججين بالسلاح و يروّع أهل بيتك و جيرانك على امتداد فترات من الزّمن...عندما تقع ملاحقتك و اعتقال أخيك و تدخل في مرحلة اختفاء قسريّ خشية التعذيب تتوقّع فيها الاعتقال في كلّ لحظة و تشفق على كلّ من يغامر بإخفائك ... عندما تبيت فوق السّطوح و المقابر و الغابات و تصلك أنباء ترهيب عائلتك و أنت متردّد بين النجاة بنفسك أو تسليمها لإنقاذ عائلتك ... عندما يضيق بك المكان و الزّمان و البشر و الشّجر و الحجر و لا تجد للهروب سبيلا و يقع اعتقالك و تبدأ مآدب التعذيب و التنكيل و التفنن في القهر و القمع و الانتهاك ...عندما يتداول عليك شتّى أنواع الفرق و المكاتب و المخافر و الزنزانات من مناطق أمن إلى الاستعلامات و الارشاد و بوشوشة و الداخليّة ... عندما تكون تهمك جاهزة و أحكامك جاهزة و قضاتك متواطئون و جلادوك ينتظرون و مساندون قليلون ...عندما تقول انتهت عذاباتي حُكمت و قضي الأمر ... قدر محتوم ... الحبس كذّاب و الحيّ يروّح فتكتشف أنّ السّجن معتقل لممارسة كلّ السياسات الممنهجة طويلة المدى للإخضاع و السّحق و المحق و التّدمير و التجويع و التّشريد و الإذلال و القتل البطيء ...عندما تجدك أخاك التّلميذ في السّجن بنفس تهمك و نفس مدّة عقوبتك و قدّ مرّ به نفس ما مرّ بك من مسار التّعذيب و التّدمير ...... عندما تقضّي ثمانية أعوام من ربيع عمرك تتنقّل بين اثنتي عشر سجنا من أقصى الشّمال غلى اقصى الجنوب و كلّ سجن يستقبلك و يودّعك في طقس عبور وحشيّ انتقاميّ يجسّد أبشع ما في الإنسان من بدائيّة و غرائزيّة و روح انتقاميّة ... عندما تغادر سجنك حطام إنسان و بقايا جسد خلفتها عصا السجّان ... و تحاول ترميم الذّات و إعادة بناء شيء من حولك له معنى و تجد نفسك في سجن كبير و حصار شامل و رقابة لصيقة و حجر و ملاحقة و تضييق على كلّ مقوّمات الحياة و شروط البقاء دون نسيان محاولات الابتزاز و المساومة و التوظيف باستعمال وسائل التّرهيب و التّرغيب المسموم ...عندما تراوغ عسسك لتسرق لقمة عيشك و لقاء مع صديق قديم و درسا في الجامعة و تُساءل عن كلّ مقال تكتبه أو كلام يصل إلى مسامعهم أنّك تلفظت به ... عندما يطرق سجّانك الجديد باب بيتك كلّ ليلة ليستوثق من وجودك و مبيتك طبعا مع الاسئلة الاستخباريّة السخيفة و الممجوجة عن كلّ معلومة تفيد أسياده ... عندما تعطيك ثورة شعب تشترك معه في الآلام و العذابات فرصة للعدل و الانتصاف بعيدا عن ثقافة الثأر أو التشفّي و الانتقام ... عندها سيكون الغوص في إعماق الذّات المثقلة بالأوجاع شهادة على العصر لإعادة بناء الذّاكرة الجماعيّة و تشكيل الصورة الموضوعيّة عن مأساة شعب يُراد اليوم تزييف معاناته و عودة جلاديه على جثث شهدائه و جرحاه و معذّبيه ... عذرا سادتي الموضوعيين جدّا و المتوازنين جدّا جدّا فإنّ أقصى دراجات الذّاتيّة هنا شرط أساسيّ لتحقيق أدنى مستويات الموضوعيّة ...

0 التعليقات :

الكاتب

اكتب وصف المشرف هنا ..

© 2013 . . تصميم من
قوالب بلوجر . تدعمه Blogger .